أسرار المرأة: عالم مشاعر وتجارب
متلك المرأة عالماً داخلياً شديد الاتساع، شديد الحساسية، لا يمنح مفاتيحه لأحد بسهولة. تبدو أحياناً بسيطة في ملامحها، هادئة في حضورها، لكنها تخفي وراء تلك البساطة حدساً حادّاً، وقلباً يقظاً، وذاكرة تحفظ التفاصيل التي يعجز كثيرون عن رؤيتها أو فهم إشاراتها. سرّ المرأة الأكبر هو قدرتها على الجمع بين النعومة والقوة، بين المشاعر الرقيقة والصلابة التي تفاجئ من يظنّ أنها هشة. قد تبكي من كلمة، لكنها تمضي بثبات في طريق يعجز عنه آخرون لم تذق قلوبهم نصف ما ذاقت.
وفي داخل المرأة مساحة صامتة لا يدركها إلا من يقترب بقلب شفاف. فهي خبيرة في قراءة ما لا يُقال، تفهم الصمت قبل الكلمات، وتدرك النوايا قبل التصرفات. تمتلك قدرة نادرة على التقاط اهتزازات النفوس، وتفكك ما خلف الوجوه من خوف أو تردد أو رغبة. وربما تتظاهر بالغباء حين يلزم، لا لأنها ضعيفة، بل لأنها تتقن فنّ الحماية والاستدراج؛ تُخفي ذكاءها حين يكون الإفصاح عنه خسارة، وتظهره حين يكون السلاح الأهم لحفظ كرامتها وقيمتها.
المرأة تمنح بلا حساب، وتزرع حول من تحبّ أماناً لا يُقدَّر بثمن. حين تحب، تحب بعمق، وحين تثق، تفتح أبوابها كاملة، وتشارك روحها قبل صوتها. لكنها أيضاً حين تُجرح، تغلق تلك الأبواب بإحكام لا يُكسر. تستطيع أن تبتسم لتخفي الألم، وأن تتحمل بصمت ما لو أصاب غيرها لسقط، وأن تنهض رغم الإنهاك لأن في داخلها عزيمة لا تُعلن عن نفسها إلا في الشدائد. قد تبدو ضعيفة في لحظة، لكنها حين يشتدّ عليها الأذى تتحول إلى قوة صامتة أو صرخة حاسمة، وحين تنتقم لنفسها تكون كلبوة عمياء، لا تعرف نصف الطريق ولا تقبل أنصاف الحلول.
وما لا يعرفه كثيرون أن أسرار المرأة ليست لغزاً معقداً بقدر ما هي طبقات من المشاعر والخبرات والآمال التي راكمتها عبر السنوات. إن ما يبدو غموضاً ليس إلا حكاية طويلة من الصبر، ومن مواقف تعلمت منها أن تحمي ما تحبه وتحمي نفسها في آن واحد. فالمرأة لا تكشف قلبها إلا لمن يستحق أن يراه كما هو، دون حكم أو استعلاء، ودون أن يقلّل من قيمة ضعفها اللحظي أو قوتها الدائمة. وحين تميل تميل بإرادتها، لا تُقاد ولا تُكسَر، بل تختار بعاطفتها وعقلها معاً. وإن لم ترد، فلن يقدر عليها بشر، ولن يغيّر مسارها إلا ربّها، أرحم الراحمين.
إن أسرار المرأة ليست شيئاً غامضاً بقدر ما هي حكاية إنسانية كاملة، من الدفء والفطرة والحدس والقلق والخوف والحب. حكاية تتداخل فيها الطفلة التي تخاف، والأم التي تحتضن، والصديقة التي تبالي، والأنثى التي تبحث عن معنى، والروح التي لا تطمئن إلا حين تُفهم كما هي. إن المرأة عالم، لا مجرد كائن يبحث عن الفهم؛ عالم يحتاج إلى عين تبصر جماله، وأذن تصغي لصدقه، وقلب لا يخشى الدخول إلى تلك المساحة التي لا تُفتح إلا بإذن صاحبتها.
هذه هي أسرار المرأة… لا لغز، ولا معجزة، بل رواية كاملة لا تُقرأ إلا بنقاء، ولا تُفهم إلا بمحبة



